إسرائيل وباكستان تُغازلان ترامب بجائزة نوبل للسلام… والجوع يقتل غزة

Loading

بقلم : محمد ناصر عجلان

في خطوة أثارت كثيرًا من الجدل، سلّم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة ترشيح رسمية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام، وذلك خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن. ورغم أن الحدث بدا في ظاهره مجرد لفتة بروتوكولية، إلا أنه حمل دلالات سياسية عميقة، أعادت تسليط الضوء على واحدة من أرفع الجوائز العالمية وأكثرها إثارة للجدل.

نتنياهو برّر الترشيح بقوله إن ترامب “يصنع السلام في منطقة تلو الأخرى”، في إشارة إلى اتفاقات “أبراهام” التي أسفرت عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. لكن هذا الخطاب لم يخفِ المفارقة الصارخة: فنتنياهو، الذي يقود حكماً توسعياً ويتّهم بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يقدّم جائزة السلام على طبق من ذهب لرئيسٍ متهم بإذكاء الانقسام وتأجيج الصراعات.

وتأتي هذه المسرحية السياسية في وقت تشنّ فيه إسرائيل حرباً شعواء على قطاع غزة، خلفت آلاف الشهداء والجرحى، وأدخلت أكثر من مليوني إنسان في دوامة من الجوع والحصار الممنهج. لقد تعمّدت قوات الاحتلال استهداف البنية التحتية، وفرضت سياسة تجويع قاسية بحق المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، وسط صمت دولي مخزٍ. الأسوأ أن ترامب، الذي يتباهى باتفاقات “السلام”، لم يصدر عنه أي موقف يدين تلك الجرائم أو يدعو إلى وقف العدوان—بل إن صمته يُعدّ تواطؤًا صريحًا، مع تلك الانتهاكات التي تُرتكب بأوامر مباشرة من حليفه نتنياهو.

في هذا السياق، يبدو الترشيح أقرب إلى تبادل المصالح والمجاملات السياسية، منه إلى مبادرة نزيهة تستند إلى مبادئ السلام. فقد اتسمت علاقة تل أبيب وواشنطن، خصوصاً في عهد ترامب، بانحياز مطلق لإسرائيل، تجلّى في قرارات مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، وهي خطوات عمّقت الأزمات بدل أن تسهم في حلها.

ومن اللافت أن إسرائيل لم تكن وحدها، فقد أعلنت باكستان في وقت سابق نيتها ترشيح ترامب للجائزة، مشيدةً بما وصفته بدوره في تخفيف التوتر مع الهند. إلا أن تلك الترشيحات قوبلت بموجة واسعة من الانتقادات، خاصة في ظل ما يشهده الشرق الأوسط من دمار ونزيف مستمر، كانت السياسات الأمريكية أحد أبرز أسباب تفاقمه.

عودة الحديث عن ترشيح ترامب لنوبل تُعيد فتح ملفات قديمة عن مصداقية الجائزة: من يملك حق الترشيح؟ ومن يحدد المعايير؟ وهل تحوّلت جائزة نوبل للسلام إلى أداة سياسية تمنح وفق حسابات القوة والولاء، لا على أساس الإسهامات الفعلية في تحقيق السلام الحقيقي؟

وفي ظل هذا المشهد المأساوي، لا يمكن تجاهل الصمت العربي والإسلامي أمام ما يتعرض له أهل غزة من قتل وتجويع. وكأن الدم الفلسطيني لم يعد يعني شيئًا لهذه الأمة، وكأن أجساد الأطفال التي تمزقها القنابل ليست من لحمها ودمها. أين هي الدول العربية المحيطة بفلسطين؟ أين الغضب، وأين الموقف؟ لقد أصبحت السياسة تفصلها عن غزة أكثر مما تفعل الجغرافيا.

أما علماء المسلمين، فقد غاب كثير منهم عن الساحة، أو اكتفوا بخطب مكرّرة لا تلامس عمق الفاجعة. هذه لحظة تتطلب موقفًا صادقًا، وكلمة حق تعيد البوصلة إلى اتجاهها الصحيح: إلى جانب المظلوم، ضد الظالم. فمسؤولية الكلمة لا تقل أهمية عن مسؤولية السلاح، وغياب الصوت الديني الشجاع يمثل فراغًا أخلاقيًا كبيرًا في وقتٍ يُفترض فيه أن يتقدم العلماء الصفوف لا أن يواروا أنفسهم بالصمت.

إن محاولات تجميل الوجوه السياسية المتهمة بإشعال الحروب عبر أوسمة السلام، تُعدّ إساءة فادحة للقيم التي من أجلها وُجدت الجائزة. وما لم تُستعَد معايير النزاهة والعدالة في الترشيح والاختيار، فستظل جائزة نوبل للسلام عنوانًا للجدل، لا للسلام.