بقلم: الصحفي محمد ناصر عجلان
في وقت يصنف فيه البنك الدولي الاقتصاد اليمني ضمن الأكثر انكماشًا في العالم منذ سنوات، يقف محافظ البنك المركزي، أحمد غالب المعبقي، في مواجهة مباشرة مع ضغوط حكومية متزايدة. فبينما تسعى الحكومة لإيجاد حلول عاجلة لصرف رواتب الموظفين والجيش المتوقفة للشهر الرابع، يتمسك المعبقي بمبدأ أساسي:
حماية العملة الوطنية هي حماية لقوت كل مواطن.
إن رفضه للمقترحات الحكومية ليس تعنتًا، بل هو خط دفاع أخير لمنع انهيار اقتصادي شامل، قد يجعل من ورقة الريال مجرد حبر على ورق.
مقترحات حكومية تفتح “أبواب الجحيم”
تطرح الحكومة حلولاً تبدو ظاهريًا سريعة، لكنها في جوهرها وصفة لكارثة اقتصادية. هذه المقترحات وسبب رفض البنك المركزي لها يجب أن تكون واضحة للجميع:
1.السحب على المكشوف: تطالب الحكومة بالعودة إلى الاقتراض من البنك المركزي، متجاهلة أن حساباتها مثقلة بديون تتجاوز 4 تريليون ريال. هذا الإجراء ليس سوى “طباعة نقود” دون أي غطاء اقتصادي، وهو ما سيؤدي حتمًا إلى تضخم جامح يلتهم ما تبقى من مدخرات المواطنين وقيمة رواتبهم.
2 .استخدام احتياطيات البنوك: هذا المقترح يعني فعليًا مصادرة أموال المودعين في البنوك التجارية. وهو إجراء لا يهدد فقط الثقة في القطاع المصرفي بأكمله، بل يتجاهل أن المشكلة ليست في “وجود المال” بل في “غياب الإيرادات” عن خزينة الدولة.
3 .ضخ العملة المطبوعة: يمثل هذا الخيار الرصاصة الأخيرة في قلب الاقتصاد. فإغراق السوق بسيولة نقدية جديدة دون زيادة في الإنتاج سيؤدي إلى ارتفاع فوري في أسعار السلع والخدمات، مما يجعل المواطن العادي غير قادر حتى على شراء احتياجاته الأساسية.
جذور الأزمة: من يجرؤ على إغلاق حنفية الفساد؟
المشكلة الحقيقية ليست في نقص الحلول، بل في غياب الإرادة السياسية لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة، والتي تتلخص في حقيقتين صادمتين:
نهب الإيرادات السيادية:
لا تزال إيرادات حيوية للدولة (نفط، ضرائب، جمارك، اتصالات) تذهب إلى حسابات خاصة خارج سيطرة البنك المركزي. هذه الأموال، التي تقدر بمليارات الريالات شهريًا، كفيلة وحدها بصرف الرواتب وتمويل الخدمات لو تم توريدها بشكل صحيح.
بنك مركزي بلا أنياب:
يفتقر البنك المركزي إلى الصلاحيات القانونية لفرض سيادته على المال العام. فبينما تمنح القوانين في كل دول العالم البنك المركزي استقلالية وسلطة لإلزام الجميع بتوريد الإيرادات، يظل البنك في اليمن مقيدًا، مما يجعله عاجزًا عن أداء دوره الأساسي.
الحل ليس مستحيلاً: استقلالية وجرأة سياسية
إن إنقاذ الاقتصاد اليمني لا يتطلب معجزة، بل يتطلب قرارًا سياديًا حازمًا. الحلول تكمن في مسارين متوازيين لا يمكن فصلهما:
1 .تمكين البنك المركزي فورًا:* يجب على مجلس القيادة الرئاسي إصدار قرار يمنح البنك المركزي الاستقلالية الكاملة والصلاحيات القانونية لإلزام كافة مؤسسات الدولة، دون استثناء، بتوريد جميع الإيرادات السيادية إلى الخزينة العامة. إن استقلالية البنك المركزي ليست ترفًا، بل هي حجر الزاوية في أي عملية إنقاذ اقتصادي، كما أثبتت تجارب دول عديدة خرجت من أزمات مماثلة.
2 .إعادة هيكلة المالية العامة: يجب على الحكومة، بدعم من البنك المركزي، البدء فورًا في إعداد موازنة عامة شفافة توضح الإيرادات والنفقات. هذا الإجراء سيعيد الثقة، ويسمح بمراقبة الأداء المالي، ويفتح الباب أمام الحصول على دعم دولي حقيقي مبني على خطط واضحة وليس على مناشدات إنسانية فقط.
إلى الرأي العام: إن المعركة التي يخوضها البنك المركزي اليوم هي معركة كل مواطن. فإما أن ننتصر لدولة المؤسسات والقانون المالي، ونضمن استقرارًا اقتصاديًا يسمح بصرف الرواتب والحفاظ على قيمة مدخراتنا، أو نستسلم للفوضى المالية التي ستجعل الجميع خاسرين. لقد حان الوقت لدعم استقلالية البنك المركزي والمطالبة بتطبيق القانون على الجميع، فهذا هو الطريق الوحيد للخروج من هذه الأزمة.