شبكات نفوذ عابرة للحدود: من مدارس السويد إلى إعمار غزة… كيف تحوّل التبرع إلى أداة مالية بيد الإخوان؟

Loading

الفجر اليمني : متابعات خاصة

كشف تحقيق موسّع أجرته صحيفة إكسبريسن السويدية عن واحدة من أخطر الفضائح المرتبطة بشبكات مالية وتنظيمية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في أوروبا، حيث أثبتت التحقيقات تورط شبكة من المدارس ورياض الأطفال في عمليات اختلاس واسعة من أموال دافعي الضرائب، قُدرت بنحو 100 مليون دولار، جرى تحويلها بطرق غير مشروعة لدعم أنشطة التنظيم داخل أوروبا وخارجها.

وبحسب التحقيق، تضم الشبكة عدداً من الأئمة والدعاة المرتبطين بالجماعة، بينهم نائب سابق في البرلمان السويدي من أصل صومالي، يُشتبه في تحويله ملايين الدولارات لتمويل نوادٍ ليلية في تايلاند ودعم حزبه الإسلامي في الصومال. كما تبيّن أن مالك إحدى المدارس حول ملايين أخرى إلى مالطا قبل مغادرته البلاد، إلى جانب تورط شخصيات أخرى تنتمي للجماعة.

وأظهرت الوثائق كشف عدد من المؤسسات التعليمية والاقتصادية التي استخدمتها الجماعة كواجهات لجمع الأموال، من بينها روضة “لير أوخلك” التي تلقت ملايين الدولارات، وحوّلت جزءاً كبيراً منها إلى جمعية “أندلس” التابعة للإخوان، ومنها إلى اتحاد المسلمين السويدي المصنف ككيان متطرف. وأدار تلك العمليات اثنان من عناصر الجماعة تحت غطاء أنشطة غير ربحية.

جذور مالية قديمة… من الإسماعيلية إلى أوروبا

تاريخياً، لم يكن هذا النمط جديداً على الجماعة. فبحسب مصدر أمني مصري تحدّث لـ”العربية.نت” و”الحدث.نت”، بدأت الجماعة منذ ثلاثينيات القرن الماضي في استغلال الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لجمع التبرعات باسم الصدقات والزكاة، ثم استخدمت تلك الأموال في إنشاء مدارس خاصة، كان أولها في محافظة الإسماعيلية. وفي عام 1946 شكّل حسن البنا لجنة خاصة للتوسع في بناء المدارس، لتتحول لاحقاً إلى واحدة من أهم الأذرع المالية للتنظيم.

وفي عام 2013 سجّلت لجنة التحفظ على أموال الإخوان في مصر وجود 120 مدرسة تابعة للتنظيم، ثبُت تورطها في تمويل أنشطة الجماعة، رغم تسجيلها بأسماء قيادات إخوانية وأقاربهم.

استثمار المآسي… من أفغانستان إلى غزة

لم تقتصر الأذرع المالية للجماعة على المدارس والجمعيات، بل امتدت للاستفادة من مناطق النزاع حول العالم. وبحسب اللواء عادل عزب، مسؤول الملف الإخواني السابق بجهاز الأمن الوطني المصري، فقد تجمع خبرتهم المالية منذ الثمانينيات إبان جمعهم الملايين لدعم “مجاهدي أفغانستان”، حيث خرجت الجماعة دون مكاسب عسكرية، لكنها اكتسبت شبكة تبرعات إقليمية تحولت لمصدر تمويل ثابت قابل للتكرار.

وفي السياق ذاته، تكشف وثائق “القضية 404 أمن دولة عليا” عام 2009 عن تحويلات مالية ضخمة بلغت 2.7 مليون يورو، جُمعت باسم دعم غزة، ثم دخلت مصر عبر حسابات شخصية مرتبطة بقيادات التنظيم، وليس عبر مؤسسات إغاثية.

وضبطت التحقيقات وثيقة خطيرة بعنوان “وثيقة المرشد العام.. حين يصبح مال غزة ملكية تنظيمية”، موقّعة من محمد مهدي عاكف، وتنص على عدم التصرف في أموال التبرعات المخصصة لفلسطين إلا بموافقة مكتب الإرشاد، ما يؤكد أن الهدف لم يكن الإغاثة، بل السيطرة المالية.

ولتعزيز هذا النفوذ، أنشأت الجماعة قسماً خاصاً داخل هيكلها باسم “قسم فلسطين” بإشراف مباشر من خيرت الشاطر، تولى تنظيم العلاقات مع شبكات التمويل وتشغيل حملات جمع التبرعات والتحكم في مسارات الأموال القادمة باسم الفلسطينيين.

خطة إعمار غزة… استثمار سياسي في ثوب الإغاثة

وفي فبراير الماضي، وضعت الجماعة خطة شاملة بقيمة 132 مليون دولار للمشاركة في إعادة إعمار غزة عبر هيئات تابعة لها داخل القطاع. وتشمل الخطة توريد معدات ثقيلة، وفتح طرق، وإزالة ركام، وتسهيل تحركات سيارات الإسعاف والدفاع المدني. غير أن مصادر مطّلعة كشفت أن الهدف الفعلي يكمن في بناء نفوذ مالي وسياسي داخل غزة تحت غطاء الإعمار.

وفي الوقت ذاته، ظهرت فضيحة جديدة تتعلق بالحصول على أموال “وقف الأمة” في فلسطين، حيث جرى تحويل التبرعات لاستثمارات خاصة وشراء شقق فندقية في أوروبا عبر قيادات إخوانية، وفق تصريحات اللواء أحمد عليوة.

المال… مفتاح النفوذ

يؤكد اللواء عادل عزب أن الجماعة استخدمت المال ـ عبر تاريخها ـ بوصفه وسيلة نفوذ تتزيّن بشعار الإغاثة، لكنها تتحول تدريجياً إلى مشروع سياسي تتجاوز قوته قوة السلاح. ويرى أن مصر تدرك أن ملف إعمار غزة ليس مجرد إعادة بناء، بل تحديد “من يملك مفاتيح المستقبل داخل القطاع”، ولهذا أتى الموقف المصري المطالب بإعمار شفاف بعيداً عن التوظيف التنظيمي.

خاتمة

يقول أحد المسؤولين الأمنيين إن أكبر خطر يهدد غزة ليس فقط الدمار الذي خلّفته الحرب، بل ما يمكن أن يُبنى فوق هذا الدمار إذا ظلت أموال الإعمار خارج الرقابة، وموجهة لأجندات تنظيمية تتخفى تحت لافتة العمل الخيري.