منظمات المجتمع المدني .. دعائم الشراكة ومراقب اليقظة في مسيرة الوطن

Loading

بقلم/ ابوبكر محفوظ حسان

في خضم التحديات الإقتصادية والإجتماعية التي تزداد حدتها يوماً بعد يوم، وتُلقي بظلالها على كاهل المواطنين، حيث تراجع دور الدولة في بعض الأحيان وتفاقمت فيه معاناة المواطنين، يأتي الدور المحوري لمنظمات المجتمع المدني كقوة حيوية لا يمكن الإستغناء عنها, بحكم قربها من نبض الشارع ومعرفتها العميقة بقضايا الناس. فهي لم تعد تجمعات تطوعية تُعنى بقضايا هامشية, وليست مجرد جهات لتوزيع المساعدات وتنفيذ مشاريع جاهزة؛ بل يتجاوز دورها ذلك بكثير؛ وتحولت إلى شريك استراتيجي وأساسي في بناء الدولة, لا سيما في ترسيخ مبادئ الرقابة والمساءلة، وهما حجر الزاوية لأي نهضة حقيقية.
إن القانون ذاته – كما في قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم (1) لسنة 2001م – يؤكد على أن “المشاركة في الرقابة المجتمعية وتحقيق مبادئ الشفافية والمساءلة” هما من أهم أهدافها, وهذا الدور ليس خياراً لها، بل هو مسؤولية أخلاقية وقانونية تقع على عاتقها.. فكيف يمكن أن تكون هذه المنظمات اليوم صامتة بينما يتصارع المواطنون مع وحش الغلاء والفساد والإنتهاكات المتزايدة ؟
إن الدور الأصيل للمجتمع المدني يتجاوز تقديم الخدمات المباشرة ليلامس جوهر الحوكمة الرشيدة, ولطالما لعب دوراً ريادياً في التعبير عن آمال وطموحات الشعوب, ففي ظل التغيرات المتسارعة والضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي قد تُضعف من قدرة الدولة على الإحاطة بكل جوانب حياة المواطن؛ يصبح صوت المجتمع المدني هو صمام الأمان الذي يضمن استمرار الشفافية ويحمي من الانحرافات, وتتجلى هذه الأهمية في قدرة هذه المنظمات على رصد الظواهر السلبية، سواءً كانت فساداً مالياً أو إدارياً أو انتهاكات حقوقية، وتبنيها وتقديمها بشجاعة أمام الرأي العام والجهات المختصة, فعندما تُتابع هذه المنظمات أداء المؤسسات، وتُقيّم البرامج الحكومية، وتُسلط الضوء على أوجه القصور، فإنها بذلك تُساهم في تصويب المسار وتعزيز كفاءة الأداء العام, وتُقدم خدمة جليلة للدولة والمواطن على حد سواء، كونها تسعى لضمان أن الموارد تُستغل بكفاءة، وأن العدالة تُطبق، وأن صوت الفئات الضعيفة والمهمشة يصل إلى صناع القرار.
إن المساءلة التي هي نتاج الرقابة الواعية، تُشكل درعاً واقياً ضد الاستبداد وتُعزز من مبادئ المواطنة الصالحة, وعندما تطالب منظمات المجتمع المدني بالمساءلة، فإنها لا تهدف إلى التشهير أو التجريم؛ بل إلى تصحيح الأخطاء ومنع تكرارها، وبناء ثقافة الاحترام للقانون والمؤسسات. هذا السعي نحو الشفافية والمساءلة يُسهم في بناء جسور الثقة بين المواطن والدولة، ويُعزز من المشاركة الشعبية الفاعلة في الحياة العامة.
إن المرحلة الراهنة تتطلب من منظماتنا تجاوز العمل التقليدي؛ والعمل على تبني استراتيجيات أكثر فعالية في الرصد والمناصرة, وأن تعمل كجسر يربط بين هموم المواطنين وسياسات الدولة. فالمجتمع المدني ليس كياناً معارضاً بطبيعته؛ بل هو شريك في البناء والتنمية، يُكمل دور الدولة ويُعزز من قدرتها على تلبية احتياجات مواطنيها.
إن صوت المواطن الجائع والمقهور هو أمانة يجب أن تحملها منظماتنا, وأن تتحول إلى منابر للرقابة على الأسواق، وتوثيق الانتهاكات الاقتصادية والمعيشية، وكشف الفساد الذي ينهك كرامة الإنسان ويُفقِر الأسر, فهم القوة الصامتة التي آن أوان نهوضها لتصبح صوتاً مسموعاً يُحرِّك الدولة ويصنع التغيير.

منظمات_قوية

الرقابة_مسئولية