الفجر اليمني: جميل هزبر
وسط معاناة إنسانية هي الأشد في اليمن، تواصل تعز دفع ثمنًا باهظًا لحصار مزدوج مفروض عليها من ميليشيا الحوثي من جهة، وعبث القوى المسيطرة في سلطة الأمر الواقع من جهة أخرى، وفي مقدمتها تنظيم الإخوان. في يونيو 2024، أعلنت جماعة الحوثي فتح طريق جولة القصر — أحد أبرز المنافذ المؤدية للمدينة — في خطوة وُصفت بـ”الإنسانية”. إلا أن الوقائع على الأرض تُفنّد هذا الادعاء. الطريق الذي زُرع بأكثر من 1800 لغم، وتُحيط به قناصة وعبوات متفجرة، ما يزال فخًا ميدانيًا يحصد الأرواح ويهدد المدنيين، في مشهد لا يختلف عن سياسة التهجير والابتزاز التي تنتهجها الجماعة منذ سنوات. تحليلات ميدانية وحقوقية أكدت أن هذه الخطوة لا تتجاوز كونها مناورة إعلامية لتحسين صورة الحوثيين أمام المجتمع الدولي، في ظل الضغوط الحقوقية المتزايدة، لا سيما بعد توثيق انتهاكات واسعة النطاق ضد المدنيين في مناطق سيطرتهم. في المقابل، تعاني المدينة من استغلال فج من أطراف في الإدارة المحلية المحسوبة على تنظيم الإخوان، حيث يتم توظيف الملفات الإنسانية — كالطرقات والمساعدات — لتحقيق منافع مالية وشخصية، في مشهد يعكس تواطؤًا مؤسسيًا لا يقل خطرًا عن الحصار الحوثي.
تعز، المدينة الجريحة، تُستنزف يوميًا بين القصف والنهب، بين الألغام والسيطرة على القرار. ومع كل يوم تأخير في تدخل الدولة ومحاسبة الأطراف العابثة، يتضاعف الألم، ويتكرس الإحساس العام بأن هذه المدينة تُعاقب فقط لأنها ظلت تقاوم. إن إنقاذ تعز ليس مطلبًا إنسانيًا فحسب، بل واجب وطني وأخلاقي، يستدعي موقفًا جادًا لإيقاف هذا النزيف المركّب، وإنهاء الحصار السياسي والعسكري والفساد الممنهج، الذي حول حياة أبنائها إلى معاناة لا تنتهي.